بسم الله الرحمن الرحيم
هــذه الدنيــــا !!
هي الدنيا ركيزة أقدامها فوق سنة رمح .. تميل على هواها وتعدل .. وثبوتها وقرارها من شأنها .. وهي جبلت على ذلك .. فلا تدوم على مسارها .. وكل من على الدنيا على شاكلتها .. فهي تقبل عندما تتركها .. وتدبر عندما تقبل عليها .. وإقبالها وإدبارها رهن لمشيئة الله .. وفي العامية السودانية يقال ( الدنيا شرادة وورادة ) .. أي أنها تشرد وتبتعد حسب المشيئة الربانية .. وتقبل وتعود كذلك .. والعاقل من يتيقن بأنه لا يملك الخيار في تسيير دفة العطاء أو المنع .. والذي يأتي إليه من الدنيا ما كان ليذهب عنه لغيره .. والذي يفوته من الدنيا لغيره ما كان له فيه النصيب .. والجاهل من يتلهف في نيل ما لا يكون من حقه .. ثم يلعن حظه إذا لم تكن الدنيا في صفه .. وفي كلتا الحالتين لا تدوم الدنيا لفرحة الضاحك ولا تدوم لشكوى الباكي ..
{ قال الله تعالى : } مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِوَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاتَفْرَحُوا بِمَا ءَاتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
(23) [ الحديد ] .
والكيس من يأخذ الدنيا بعلاتها وحسناتها دون الاطمئنان لأمرها .. لأنها تاركة له يوماً وهو تاركها يوماً .. فهو والدنيا كل يفقد الثقة منذ أن اللقاء الأول .. ولحظة الالتقاء أتى وهو يصرخ ولم يأتي وهو يضحك .. وكأنه علم مسبقاً بعدم الأمان والدوام .. ثم أن الإنسان خلق في كبد .. ولو علم ذلك وتيقن ما لام الدنيا على تقلبها .. وما طمع في نيل إقبالها .. والدنيا لم تكن مطية أبدية للأولين أو الآخرين .. والذي ينال من الدنيا حظاً أوفر ما يخرج منها غانماً بحظه ولكن قد يخرج غانماً بعمله وشكر النعمة لربه .. والذي يخرج من الدنيا محروماً من عطائها قد ينال الفضل على صبره وتحمل أمره .. فعطاءها في الميزان بقدر الشكر لله والتصدق من عطاءها .. وحرمانها في الميزان بقدر الصبر والقبول بقضاء الله .. فالدنيا هي دار امتحان وابتلاء . وهي جسر نهايته إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ( والعياذ بالله ) .